هل الضغطوط النفسية سبب للإصابة بأمراض العمود الفقري

Picture of الدكتور هشام أبورحمة

الدكتور هشام أبورحمة

المدير الإكلينيكي و مؤسس مراكز NSC

كسر الفقره القطنيه

المحتوي

في عصرنا الحالي، يعيش الكثير منا تحت الضغوط النفسية اليومية: ضغوط العمل، العلاقات، المسؤوليات، وعدم التوازن بين الحياة الشخصية والعملية. هذه الضغوط ليست مجرد شعور مؤقت، بل يمكن أن يكون لها تأثير كبير على صحتنا الجسدية، خاصة العمود الفقري.

في فيديو قصير على YouTube Shorts من مركز NSC، يوضح أحد الأخصائيين أن:

“مش كل ألم في الظهر أو الرقبة ناتج عن انزلاق غضروفي أو إصابة عضلية. كثير من الحالات نكتشف أن السبب النفساني — التوتر المستمر — هو ما يثير شد العضلات وآلام العمود الفقري.”

هذا التصريح يتماشى مع ما أثبتته الأبحاث العلمية: فهناك علاقة قوية بين الضغط النفسي والألم المزمن في الظهر والرقبة. هدف هذا المقال هو شرح هذه العلاقة بالتفصيل، بالإضافة إلى تقديم استراتيجيات فعّالة للتعامل مع الضغوط النفسية للحفاظ على صحة العمود الفقري.

مظاهر الضغوط النفسية

الضغوط النفسية تظهر بعدة مظاهر قد تكون جسدية أو نفسية أو سلوكية، ومن أبرز هذه المظاهر:

  • الشعور بالقلق أو التوتر المستمر
  • الأرق أو صعوبة النوم
  • الصداع أو الصداع التوتري
  • سرعة الانفعال
  • تعب عام وإرهاق
  • شد في العضلات، خاصة في الرقبة والظهر
  • صعوبة التركيز
  • انخفاض القدرة على التعامل مع المشاكل اليومية

هذه المظاهر ليست مجرد شعور نفسي فقط، بل لها أساس فسيولوجي حيث يُحفّز الضغط المستمر نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي (استجابة “قتال أو هروب”) ويُفرز الجسم هرمونات مثل الكورتيزول، ما يؤدي إلى توتر عضلي مزمن.

آثار الضغوط النفسية على العمود الفقري

الضغوط النفسية لا تضر العقل فقط، بل قد تسبب تلفًا أو آلامًا في العمود الفقري من خلال عدة آليات:

  1. التوتر العضلي المزمن
    عند تعرض الجسم لضغط نفسي طويل الأمد، تنقبض العضلات باستمرار — خاصة عضلات الرقبة والظهر — مما يضع عبئًا إضافيًا على الفقرات والأربطة.
  2. زيادة الالتهاب
    بعض الأبحاث تشير إلى أن التوتر النفسي يمكن أن يؤدي إلى التهابات مزمنة منخفضة المستوى في الجسم. هذا الالتهاب يمكن أن يؤثر على الأنسجة المحيطة بالفقرات ويزيد من حساسية الألم.
  3. تفاقم الأمراض الموجودة مسبقًا
    إذا كان هناك انزلاق غضروفي أو مشاكل هيكلية في العمود الفقري، فإن التوتر النفسي قد يزيد من المضاعفات أو يفاقم الألم؛ لأن العضلات المتوترة تضغط أكثر على الفقرات وجذور الأعصاب.
  4. تأثير على وضعية الجسم
    التوتر النفسي غالبًا ما يؤدي إلى وضعيات سيئة في الجلوس أو الوقوف (مثل تقوّس الظهر، شد الرقبة للأمام)، مما يزيد من الضغط على العمود الفقري.
  5. تعديل الاستجابة للألم
    بعض الأبحاث مثل دراسة Stress-induced hyperalgesia وجدت أن المرضى الذين يعانون من ألم مزمن لديهم استجابة غير طبيعية للتوتر — بدلاً من أن يخف الألم (تحمّل الألم)، قد يزداد الألم (حساسية مفرطة). arXiv

أضرار الضغوط النفسية على الصحة العامة

إلى جانب التأثير على العمود الفقري، فإن الضغوط النفسية لها أضرار شاملة على عدة أنظمة في الجسم:

  • الجهاز المناعي: التوتر طويل الأمد قد يضعف المناعة، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض والالتهابات.
  • الجهاز القلبي الوعائي: قد يرتفع ضغط الدم وتزداد مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
  • الجهاز الهضمي: يمكن أن تسبب الضغوط اضطرابات مثل القولون العصبي.
  • الصحة النفسية: القلق والاكتئاب قد يزدادان، مما يخلق دائرة مفرغة بين التوتر والألم الجسدي.

أعراض الضغوط النفسية وتأثيرها على العمود الفقري

في كثير من الأحيان، تبدو آلام الظهر أو الرقبة وكأنها ناتجة عن مشكلة هيكلية فقط، لكن الأعراض قد تشير إلى وجود أصل نفسي:

  • ألم في الظهر أو الرقبة دون سبب واضح مثل إصابة أو حمل ثقيل
  • ألم يزداد وقت التوتر أو التفكير الزائد
  • تصلب في الرقبة أو الظهر عند الضغوط
  • تشنّجات عضلية متكرّرة في الفقرات
  • شعور بعدم الراحة في الجلوس أو الوقوف لفترات طويلة
  • الخدر أو التنميل في الأطراف نتيجة ضغط الأعصاب من عضلات مشدودة

دراسة Combined Neck/Back Pain and Psychological Distress التي شملت أكثر من 1000 مشارك في السعودية وجدت ارتباطًا كبيرًا بين آلام الرقبة / الظهر وارتفاع مستوى الضيق النفسي. PMC

الضغوط النفسية وأثرها على الإنسان

الضغوط النفسية تؤثر على الإنسان ليس فقط جسديًا ولكن أيضًا نفسيًا وسلوكيًا:

  • جهاز الأعصاب: التوتر المستمر يُبقي النظام العصبي في حالة تحفيز دائم، مما يزيد من التوتر العضلي ويضعف القدرة على التعافي.
  • الجهاز العضلي: العضلات تتشنج وتبقى في حالة توتر، ما يسبب ألمًا مزمنًا.
  • الجهاز الهرموني: ارتفاع الكورتيزول قد يؤدي إلى التهابات وارتباطات مع مشاكل صحية أخرى مثل أمراض القلب أو ضعف التئام الأنسجة.

بحثات نفسية أيضًا تشير إلى أن الأشخاص المصابين بألم مزمن غالبًا ما يعانون من قلق أو اكتئاب أو نوع من الكارثروفايزينغ (التفكير الكارثي) الذي يزيد من الإحساس بالألم. Contemporary Psych Studies

التعامل مع الضغوطات النفسية

لكي نحدّ من تأثير الضغوط النفسية على العمود الفقري، يمكن اتباع عدة استراتيجيات:

  1. تمارين التنفس العميق
    تساعد على تهدئة الجهاز العصبي وتخفيف التوتر العضلي.
  2. التمارين البدنية المنتظمة
    مثل المشي أو اليوغا أو الإطالة الخفيفة، لتخفيف شد العضلات وتحسين المرونة.
  3. إدارة النوم
    تنظيم مواعيد النوم، وتقنيات الاسترخاء قبل النوم تقلل من تأثير التوتر.
  4. التعبير عن المشاعر
    التحدث مع صديق أو مختص نفسي يساعد على تفريغ الضغوط.
  5. العلاج النفسي إذا لزم الأمر
    الجلسات النفسية قد تساعد الكثيرين على التعامل مع الضغوطات بفعالية.
  6. العلاج الطبيعي والتقويم في NSC
    يمكن لمتخصصي العمود الفقري في مركز NSC تقديم برنامج علاجي مخصص:
    • تدليك عضلي لتخفيف التوتر
    • تقويم العمود الفقري
    • تدريبات تقوية لتعديل الوضعية
    • تمارين استرخاء عضلي

التغلب على الضغوط النفسية

لتحقيق تعافي أفضل على المستويين النفسي والجسدي، يُنصح بما يلي:

  • تحديد المصادر الأساسية للضغط (عمل، علاقات، طموحات)
  • وضع استراتيجية يومية لإدارة الوقت وتقسيم المهام
  • ممارسة التأمل أو الوعي الذهني (mindfulness) بانتظام
  • إشراك الأسرة أو الأصدقاء في دعمك النفسي
  • دمج الرياضة كجزء من الروتين اليومي
  • الالتزام بخطة علاجية إذا أوصى بها أخصائي (نفسي أو طبي)

الخاتمة

الضغوط النفسية ليست مجرد شعور مؤقت؛ إنها عامل فاعل يمكن أن يسبب أو يفاقم مشاكل في العمود الفقري. العضلات تتوتر، الأعصاب تضغط، والالتهابات قد تزداد — وكل ذلك من الممكن أن يؤدي إلى ألم مزمن يتطلب علاجًا جادًا.

مركز NSC يفهم هذه العلاقة بعمق، ويقدم خطة علاجية شاملة تجمع بين:

  • التشخيص الدقيق
  • العلاج الطبيعي
  • التوعية النفسية
  • دعم مستمر لتغيير نمط الحياة

إذا كنت تعاني من ألم في الظهر أو الرقبة ولا يبدو له سبب واضح، فقد يكون الوقت مناسبًا لتقييم الضغوط النفسية وأثرها على جسمك. احجز استشارة في NSC اليوم لتبدأ رحلة الشفاء من كل جانب — الجسدي والنفسي.